القصر الكبير

تجلس في حديقة منزلها الكبير الأشبه بالقصر الجميل

تحوطها الأشجار والخضرة وتلك البركة الجميلة المحاطة بالأزهار الرائعة

ترتدي ثوبها الأبيض الفضفاض وتلك الطرحة ناصعة البياض

تمسك بسبحتها التي لا تغادر يديها تبتسم في رضا

فيضئ ووجهها إذا نظرت إليها شعرت بالراحة والطمأنينة

وجذبتك هذه الهالة النورانية التي تحوطها تلاعب حفيدها

في سعادة وتتابع ابنها وهو يتصفح الأخبار على اللاب توب

وعندما داعب النوم عين الصغير نام على ذراع جدته

فنظرت له في حنان وتذكرت ذلك اليوم

عندما كانت تجلس على مكتبها فهي

كانت تمتلك اكبر وارقي محل ملابس للسيدات

هذه المحلات المتخصصة في بيع احدث وأجمل واغلي الموديلات

تتفق على صفقة كبيرة للمحل بمناسبة حلول فصل الصيف

وعندها رن جرس الهاتف ليأتي ذلك الصوت هذا الرقم مسجل

على هاتف عادل سعيد البدراوى هل تعرفيه ؟

لتقول عادل ابني. ماذا حدث له؟

ليخبرها الصوت :

انه في المستشفى وحالته خطيرة.

تنتفض وترمى ما بيدها وتجرى بسرعة إلى الشارع

لتركب سيارة أجرة فهي لا تستطيع القيادة

في هذه الحالة وتصل ومع وصولها تجد زوجها رجل الأعمال الشهير

سعيد البدراوى صاحب اكبر مجموعة شركات يجرى مهولا

في نفس الاتجاه ليذهبا إلى الاستقبال للسؤال عن ابنهما

ليكون الرد إنه في غرفة العمليات في حالة خطيرة جدا

فقد جاء في حادث سيارة لينزل الخبر كالسهم يخترق العقل والقلب

وتدور الدنيا بالأبوين ثم يتماسكا ليصعدا فأصحاب الأعمال

يمتلكون رابطة جأش قوية لا تؤثر فيهم الصدمات بسهولة.

تصعد زاهية هانم وسعيد باشا في اتجاه غرفة العمليات

ليجدوا صديقه كريم فيسأل الأب

ماذا حدث ليقول كريم كنا في سباق السرعة

كالمعتاد ولكن عادل كان قد اخذ بعض الأقراص وكانت حالته سيئة

بعد أن فارقته مهيتاب صديقته وحاولت أن امنعه ولكنه أصر وركب سيارته

وللأسف لم يسيطر على السيارة وحدثت الكارثة.

وبعد عدة ساعات يخرج الأطباء من غرفة العمليات

فيجرى سعيد وزاهية للاستفسار يرد الطبيب الحالة حرجة

وتم نقله إلى العناية المركزة فهناك نزيف في المخ

ولا ندرى مدى تأثيره وكسور متفرقة في باقي الجسم

أسوأها القدمين ويمكن أن يفقدهما والزيارة ممنوعة تماماً

حاول الأب أن يخبره انه يريد أن ينقله إلى اكبر مستشفى

في العالم ولكن الطبيب أكد أنهم لن يضيفوا شيء الأمر بيد الله.

وعندها دخلت كريمان أخت عادل وهى تبكى رأت سعيد وزاهية

صرحت وأخذت تقول أنتما السبب فيما حدث

سعيد باشا لا يهمه إلا المال وافتتاح المشاريع

وزاهية هانم سيدة الأعمال لا تهتم إلا بمتجرها الكبير والصفقات

أنتما السبب أنتما السبب عادل

عادل أريد أخي وحاول الأب وإلام تهدءتها ولكن لم يفلح أحد

حتى ذهبت في إغماءه من الصدمة

وبعد الكشف خرج الطبيب ليقول

لسعيد وزاهية تعانى من صدمة عصبية شديدة

ولأنها حامل وتعانى من الضعف العام

ذهبت في غيبوبة ولكنها ستفيق بعد عدة ساعات .

ليقول الأب حامل.

فيجيب الطبيب ألا تعلم أنها في الشهر الثالث؟

بالطبع لا يعلم فهي في العشرين من عمرها

ومازالت في السنة الثانية في احد الجامعات الخاصة

التي لا يدخلها إلا أبناء الطبقة الراقية جدا كما أنها غير متزوجة.

ذهبت زاهية هانم وسعيد باشا ليلقوا نظرة على عادل

من خلف الزجاج ملفوف بالشاش والأجهزة تحوطه من كل مكان

فتبكى بكاء حار ولا تدرى ماذا تفعل ؟

ثم تنتقل إلى غرفة كريمان لترى الوجه الشاحب والشفاه البيضاء

والدموع تسقط من عينيها برغم الإغماء

وهذه المحاليل المعلقة لتمدها ببعض الحياة .

يأتي الطبيب ويطلب منهما الانصراف فالزيارة ممنوعة

والاثنان في غيبوبة ويطلب منهما الدعاء

يعود الوالدان في حالة صدمة رهيبة لا يستطيع اى منهما الكلام

أو إلقاء اللوم على الأخر

تصعد زاهية إلى غرفتها وتفتح خزانتها لتبحث عن شيء

يصلح للصلاة ولكن هذا قصير وهذا عاري وهذا شفاف وهذا ضيق

ترمى بكل ما في الدولاب ولاتحد ماترتديه تبكى

وتصيح لتأتى مدام عانيات مديرة المنزل في ثوبها الفضفاض الطويل

وتعطيها إسدال للصلاة فتتوضأ وتبدأ في الصلاة

فتجد نفسها لا تعرف أين القبلة لتصلى فمنذ عشر سنوات

عندما انتقلوا إلى القصر الجميل لم تسأل

ولم تصلى ولو مرة فتبكى بكاء حار وترشدها عانيات إلى القبلة

وتمسح دموعها وتقول أن باب التوبة مفتوح والله غفور رحيم .

تبدأ زاهية في الصلاة والدعاء والرجاء وتطيل السجود والاستغفار

حتى شعرت بالراحة وأحست بالهموم تزال فبرغم كل الأموال

والمجوهرات لم نكن تهنأ في ليلة براحة البال

ولكن القلق والتوتر كان هو المسيطر

حتى سمعت صوت أذان الفجر وكأنها تسمعه لأول مرة

من سنوات واقترب منها سعيد في هدوء وعيناه تزرفان الدموع

وقال هذه أول ليلة نقضيها في الصلاة والدعاء

وأول مرة من سنوات طويلة اسمع صوت الأذان واصلي الفجر

والغريب أنى كل ليلة لا أنام قبل بزوغ الشمس

يبكى سعيد ويقول اشعر بمنتهى الضعف والمهانة

كنت اشعر بالقوة والجبروت آمر فأطاع أقول والكل

يجيب اشترى بالمال الغالي والنفيس والذمم والضمائر لأحصل على ما أريد

كان المال والنجاح هدفي وهمي الوحيد

وقتي للعمل والمقابلات والسهرات والمجاملات

اكتفيت بإعطاء النقود وتوفير ما يحتاجون

ويطلبون السيارة الحديثة والأجازة في أوروبا والملابس اغلي

وارقي الثياب أما التعليم في أغلى المدارس والجامعات

كنت اعتقد أنى أديت واجبي تجاه أبنائي

حتى اليوم لأكتشف أنى لم أجنى إلا السراب والوهم .

وعندها اقتربت زاهية في حنان لترتب على كتف زوجها

وتحاول أن تمسح عنه الأحزان وقالت أنا المخطئة

أنا من تركت أبنائي واندمجت في عملي وقضيت وقتي بين الإعمال

والصديقات لم أشغل بالى بالتربية أو التوجيه

لم أسال عن الأصدقاء وفيما يقضون الأوقات

لم يروني أصلى وأراعى الحقوق فمن اى لهم بالخلاق الحميدة

أنا المذنبة وما حدث نتيجة خطأي وانخرطت في بكاء مرير

وقالت لزوجها سامحني وعندها قال سعيد لم يكن خطأك وحدك

فنحن شريكان ولكن كيف السبيل إلى النجاة

قالت زاهية لا سبيل إلا الدعاء والاستغفار

فالله وحده هو القادر على إنقاذ أبنائنا

واتصلا الزوجان بالمستشفى فاخبرهم الطبيب أن عادل وكريمان

ما زالا في الغيبوبة .

خرج سعيد وقال انه سينهى بعض الإعمال

وانخرطت زاهية في البكاء والصلاة والدعاء

حتى دخلت عليها عنايات بالعصير تطلب منها الصبر وقالت

إنها سمعت حديث نبوي شريف يقول

( داووا مرضاكم بالصدقة)

نهضت زاهية إلى خزنة كبيرة تحتفظ فيها بالمجوهرات

وأخرجت منها الكثير مع بعض الآلاف من الجنيهات

وطلبت من زاهية فستان فضفاض وطرحة لتخرج وارتدت الملابس

في عجلة وخرجت لأول مرة بدون الانتظار لساعة كاملة أمام المرأة

لتضع المساحيق وترتب شعرها وتراقب جمالها

وأناقة ملابسها

ركبت سيارتها وتوجهت إلى مستشفى السرطان

وبعض دور الأيتام وهذه المؤسسات التي كانت تسمع عنها

دون اهتمام ذهبت وتبرعت بالكثير وطلبت عدم ذكر اسمها

ثم توجهت إلى اقرب مسجد وتوضأت

وصلت وطلبت من الله أن يقبل صدقتها وملئت قلبها فرحة

فهي لم تكن تدرى إنها حين تعطى تشعر بهذه السعادة

فهي تعودت أن تأخذ ولا تعطى وتوجهت إلى المستشفى

فأخبرها الطبيب أن كريمان أفقت من غيبوبتها فحمدت الله

على سلامتها وذهبت لتجلس معها في غرفتها

وعندما رأتها اقتربت منها ومسحت على رأسها في حنان

وأمسكت بيدها وطلبت منها عدم الكلام

وأخبرتها بان الأمور ستكون على ما يرام .

ونامت كريمان وهى تحتضن يد والدتها التي تبكى وتتساقط دموعها

على خد ابنتها لتجرى دموعها كنهر.

ومرت عدة أيام ومازال عادل في غيبوبته وحالته غير مستقرة

ومازال في العناية المركزة

وتعافت كريمان وعادت إلى المنزل لتخبر زاهية وسعيد بقصتها

مع ذلك الشاب هاني زميلها في الجامعة

والده رجل أعمال شهير وصديق لسعيد وإنها فعلت مثل زميلاتها

وكبتوا هذه الورقة غير الرسمية والسرية

وبعد فترة تهرب الشاب وتعرف على أخرى وقطع الأوراق

وهى لاتدرى ماذا تفعل وشرعت في البكاء والاعتذار

وأمام توسلات زاهية تراجع سعيد عن قتلها والفتك بها

لأنه وزاهية سبب في حدوث هذه الكارثة

وقام سعيد بالاتصال بصديقه وشرح القصة وهو في غاية الحرج

والإذلال وطلب أن يتم عقد القران اليوم

وتعاطف معه صديقة واتى بالشاب رغماً عنه

وتم عقد القران في جو يحوطه الحزن والأسى والندم

وانتقلت كريمان إلى قصر والد الشاب .

وقامت زاهية ببيع متجرها الكبير الذي لم تعد تطيق أن تراه

أو تدخله وأعطت المال لزوجها ليقوم بعمل مشروع خيري كبير

وبالفعل بدأ سعيد في مراجعة حساباته وما قام به من تجاوزات

وتعويض من تضرر من أعماله ورد ما أخذه بالقوة ووضع اليد

وأضاف مبلغ كبير إلى أموال زاهية

وقام بالبدء في مشروع خيري كبير عسى الله أن يقبله صدقة

ويشفى عادل ابنه الوحيد .

وأخيرا بعد أكثر من شهر أفاق عادل من غيبوبته

وبدأ الأطباء في تقدير مدى التلف الذي حدث وإجراء باقي العمليات

واخبر الأطباء الوالدين أن الأمر يحتاج فترة طويلة

وصبر وعاد عادل كطفل صغير لا يستطيع الحراك

ولا الكلام فاليدان والرجلان في الجبس

والفك به كسر وظلت زاهية بجوار ابنها تعينه وتلبى احتياجاته

وتكلمه وتسليه وتخفف عنه ألامه وأحزانه

وتشجعه وتعطيه الأمل وبالرغم الحزن هناك أمل

كان يبتسم عادل في حنان وكان في غاية السعادة

من حنان والدته ورأيتها وهى تصلى

وتقرأ القران وتدمع عيناه عندما تبكى وهى تدعوا وتطلب من الله الشفاء

ومرت شهور وعاد عادل إلى المنزل ليكمل العلاج .

وولدت كريمان ابنها كريم بعد انفصالها عن زوجها

فهما لم يستطيعا التفاهم لصغر سنهما

وأدركا مدى خطأهما وتسرعهما في الارتباط .

ومرت ثلاث سنوات استعاد عادل صحته

وهو ينتظر نتيجة السنة النهائية لهندسة الكترونيات.

وأكملت كريمان دراستها وتخرجت من الجامعة

وهى الآن تعمل مع والدها .

وعندما هتف عادل نجحت يا أمي أفاقت من غفلتها لتبارك لابنها

وهو يردد ظهرت النتيجة ونجحت بتفوق انظري

يا أمي في الاب توب قبلته زاهية واحتضنه بحنان

وقالت الحمد لله ألف مبروك

وعندها دخل سعيد وكريمان في ثوبها الفضفاض وطرحتها الزهرية

ليباركا لعادل ويقول سعيد الخير يأتي مجتمعاً

فاليوم حضر هاني ووالده وطلبوا يد كريمان ليعودا زوجان

فبعد تخرجه وعمله مع والده ومرور السنين تعرفا من جديد

كرجل وامرأة ناضجان ووافقت كريمان .

قالت زاهية الحمد لله تحققت أمالي ولم يخيب الله رجائي

والتف الجميع حول كريم الصغير يضحكون ويهنون.

منقوله للامانه