ا
تعلمى فن النقد حتى لاتصبحى فظاً
إذا أردت أن تنتقد شخصا فأنت امام أحد هدفين :
إما ان تكون تنتقد الشخص ذاته في صورة الموضوع الذي تنقده فيه
أو أنك تنقد الفكرة بغض النظر عن صاحبها
لذلك النقد هو تعبير عن وجهة نظر تجاه تفكير شخص آخر
فيجب أن يكون بتميز شديد حتى لا نفقد هذا الآخر
وإليك بعض النقاط الهامة في النقد
1ـ البينية :
ليكن نقدك لأخيك ، أو لأيّ إنسان آخر نقداً بينياً ،
أي بينك وبينه ولا تنقده أمام الآخرين ،
فحتى لو كان نقدك هادفاً وهادئاً وموضوعياً
إلاّ أنّ النقد في حضور الآخرين ممّن لا علاقة لهم بالأمر
قد يدفع الطرف الآخر إلى التشبّث برأيه ،
أو الدفاع عن نفسه ولا نقول عن خطئه .
ولذا جاء في الحديث :
«مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه علانية فقد شانه» .
2 ـ الإنصاف :
النقد هو حالة تقويم ..
حالة وزن بالقسطاس المستقيم ، وكلّما كنت دقيقاً في نقدك ،
بلا جور ولا انحياز ولا تعصب ولا افراط ولا تجاوز ،
كنت أقرب إلى العدل والانصاف ، وبالتالي أقرب إلى التقوى ،
قل في منقودك ما له وما عليه ..
قل ما تراه فيه بحق ولا تتعدّ ذلك فـ « مَنْ بالغ في الخصومةِ أثِم » .
3 ـ إجمع الإيجابي إلى السلبي :
وهذا الأسلوب هو من الأساليب المحبّبة في النقد ،
حيث تبدأ بالإيجابي فتشيد به وتثمّنه ثمّ تنتهي إلى السلبي ،
وبهذه الطريقة تكون قد جعلت من الإيجابيات مدخلاً سهلاً للنقد ،
لأ نّك بذلك تفتح مسامع القلب قبل الأذنين ليستمع الآخر
إلى نقدك أو نصيحتك ..
إنّك تقول له : إنّه جيد وطيب وصالح ومحترم لكنّ
ثمة مؤاخذات لو انتبه إليها لكان أكثر حسناً وصلاحاً .
فإذا ما احترمت إيجابيات الشخص المنقود وحفظتها له ،
ولم تنسفها أو تصادرها لمجرد ذنب أو خطأ أو إساءة ،
فإنّك سوف تفتح أبواب الاستماع إلى ما تقول على مصراعيها ،
وبذلك تكون قد حققت هدفك من النقد ،
وهو إيصال رسالة للمنقود حتى يرعوي أو يتعظ ،
كما إنّك لم تجرح إحساسه ولم تخدش مشاعره .
وقد دعا القرآن المسلمين إلى احترام إيجابيات الناس في قوله تعالى :
(ولا تبخسوا الناس أشياءهم ).
4 ـ الإلتفات إلى الإيجابي :
وقد يكون السلبي لدى أحد الأشخاص أكثر من الإيجابي
بحيث يغطّي عليه ،
ويكون الإيجابي نادراً للدرجة التي يتعيّن عليك أن تبحث أو تنقّب عنه تنقيباً ،
فلا تعدم المحاولة لأن ذلك مما يجعلك في نظر المنقود كريم الطبع .
فلقد مرّ عيسى (عليه السلام) وحواريّوه على جثّة كلب متفسّخة ،
فقال الحواريون :
ـ ما أنتن جيفة هذا الكلب !
وقال عيسى (عليه السلام) انظروا إلى أسنانه ..
ما أشدّ بياضها !
لقد كان الحواريون محقّين في نقدهم للجثّة المتفسخة
التي تنبعث منها روائح كريهة ،
لكنّهم ركّزوا على السلبي (الطاغي) على الجثّة .
أمّا المسيح (عليه السلام) فكان ناقداً لا تفوته اللفتة الإيجابية الصغيرة
حتى وإن كانت (ضائعة) وسط هذا السلب من النتانة .
وهذا درس نقديّ يعلّمنا كيف أ نّنا يجب
أن لا نصادر الإيجابية الوحيدة أو الصغيرة إذا كان المنقود كتلة من السلبيات .
5 ـ أعطه فرصة الدفاع عن نفسه :
حتى ولو كوّنت عن شخص صورة سلبية
فلا تتعجّل بالحكم عليه ..
استمع إليه أوّلاً ..
أعطه فرصة كافية ليقول ما في نفسه وليدافع عن موقفه .
قل له : لقد بلغني عنك هذا ،
واترك له فرصة الدفاع وتقديم الإفادة ،
أي افعل كما يفعل القاضي العادل فهو يضع التهمة
بين يدي المتهم ويعطيه فرصة للدفاع عن نفسه وموقفه ،
إمّا مباشرة أو عن طريق محام ،
فلا تأتي كلمة القضاء الفصل إلاّ بعد أن يدلي الشهود بشهاداتهم ،
والمحامي بمرافعته لكيلا يُغمط حق المتهم
6 ـ حاسب على الظواهر :
قبل أن تمضي في نقدك وترتب عليه الأثر ،
احترم نوايا المنقود وحاسبه على الظاهر
«فلعلّ له عذراً وأنت تلوم» .
وهذا هو الذي يدعو المربّي الاسلامي
إلى أن نحمل أخانا على أكثر من محمل ،
أي أن نحمل عمله أو قوله على محمل حسن الظن لا إساءة الظنّ .
فقد يكون مضطراً وللضرورة أحكامها
فـ «الضرورات تبيح المحظورات»
وقد يكون ساهياً ناسياً غير قاصد ولا متعمّد ،
والقلم مرفوع عن الناسي أو الجاهل غير المتعمّد ،
وقد يكون له رأي أو مبرر غير الذي تراه .
المهم أنت لست مسؤولاً عن دوافع المنقود ونواياه ،
وإنّما مسؤول عن ظاهر عمله فقط .
7 ـ استفد من تجربتك في النقد :
لكلّ منّا تجاربه في نقد الآخرين ،
أو نقد الآخرين له .
وربّما أفادتك حصيلة تجاربك أن تبتعد عن أساليب النقد
التي جرحتك أو عمقت جراحك القديمة ،
أو سببت لك النفور والبرم ،
وربّما زادت في إصرارك على الخطأ كردّ فعل عكسي .
وطالما إنّك كنت قد اكتويت بالنار فلا تكوِ بها غيرك ..
حاول أن تضع نفسك في موضع الشخص المنقود ،
وتحاش أيّة طريقة جارحة في النقد سبق لك أن دفعت ضريبتها .
فلقد بعث أحد الأدباء الشباب ـ ذات مرّة ـ
نتاجه إلى إحدى المجلاّت الأدبية الشهيرة ،
وحينما صدر العدد الجديد من المجلة هرع الأديب الشاب
إلى السوق لاقتناء نسخته وراح يتصفحها بلهفة بحثاً
عن إبداعه فلم يجده لكنّه وجد ردّاً للمحرر
يقول له إنّه لا يصلح للأدب وعليه أن يفتش عن مهنة أو هواية أخرى !
وفيما هو يعيش الصدمة وإذا به يرتطم بعمود النور فتنكسر رجله ..
المهم ..
انّ همته لم تنكسر .. فقد واصل ..
وأصبح أديباً مشهوراً يشار له بالبنان ،
فلا تكسر منقودك لأن «مَنْ كسر مؤمناً فعليه جبره» .
منقووووول